في سياق التنافس المحتدم بين الدول الإفريقية على اقتناص حصة أكبر من سوق السياحة والفندقة المتنامي، سلط تقرير دولي حديث صادر عن مكتب “W Hospitality Group” الضوء على ديناميكية لافتة تكشف عن تفوق مصري كمي في حجم المشاريع الفندقية قيد التطوير على مستوى القارة السمراء. فقد تبوأت جمهورية مصر العربية مركز الصدارة بفارق ملحوظ عن أقرب منافسيها، المغرب وتونس، اللتين حلتا في مراتب لاحقة ضمن قائمة العشرة الكبار الأفارقة من حيث عدد الغرف الفندقية التي لا تزال في مراحل التخطيط والتنفيذ.
التقرير المعنون بـ “African Hotel Chain Development Pipeline”، والذي استند في تحليلاته إلى إجابات مستقاة من خمسين سلسلة فندقية عالمية وإفريقية مرموقة، قدم صورة تفصيلية عن حجم الاستثمارات الجارية في القطاع الفندقي بالقارة. وتشير البيانات إلى وجود 577 فندقًا ومنتجعًا قيد الإنشاء والتطوير، بإجمالي 104,444 غرفة فندقية، مسجلة بذلك نموًا نسبته 13.3% مقارنة بعام 2024، مما يعكس الزخم المتزايد في هذا القطاع الحيوي.
وقد كشف التقرير عن تباين إقليمي ملحوظ في وتيرة هذا النمو، حيث قادت منطقة شمال إفريقيا قاطرة التوسع بنسبة نمو سنوية بلغت 23%، في مقابل 6% فقط سجلتها منطقة إفريقيا جنوب الصحراء. هذا التفاوت النوعي يبرز الجاذبية المتزايدة لشمال القارة كوجهة استثمارية مفضلة في قطاع الضيافة، خاصة في الدول المطلة على حوض البحر الأبيض المتوسط، التي تستفيد من مقومات سياحية متنوعة واستقرار نسبي.
وعلى مدى السنوات الخمس الماضية، اتسم تطور المشاريع الفندقية في إفريقيا جنوب الصحراء بوتيرة نمو سنوية متواضعة بلغت 4%، بينما قفز هذا المعدل إلى 12% في شمال إفريقيا، متجاوزًا المتوسط العالمي البالغ 7%، مما يؤكد الحيوية المتنامية التي يشهدها الإقليم الشمالي للقارة في هذا المضمار.
وفي قلب هذا المشهد التنافسي، تبرز مصر كقوة دافعة رئيسية، حيث يحتل المرتبة الأولى إفريقيًا بلا منازع. فقد أوضح التقرير أن هناك حاليًا 143 فندقًا قيد التطوير في مصر، تشمل مجتمعة 33,926 غرفة فندقية، وهو رقم ضخم يكاد يعادل أربعة أضعاف نظيره في المغرب، الذي حل في المركز الثاني بـ 8,579 غرفة موزعة على 58 فندقًا.
أما المركز الثالث، فقد كان من نصيب نيجيريا التي تعمل على تطوير 7,320 غرفة فندقية، تلتها إثيوبيا بـ 5,648 غرفة، ثم الرأس الأخضر بـ 5,565 غرفة، وكينيا بـ 4,344 غرفة، وتونس بـ 4,336 غرفة، لتشكل هذه الدول مجتمعة محورًا هامًا للنمو الفندقي في القارة.
واحتلت جنوب إفريقيا المرتبة الثامنة بـ 4,076 غرفة، تليها تنزانيا بـ 3,432 غرفة، ثم غانا في المركز العاشر بـ 3,125 غرفة، لتكتمل بذلك قائمة العشرة الأوائل التي ترسم ملامح الاستثمارات الفندقية الحالية في إفريقيا.
إلا أن التقرير لم يغفل جانبًا بالغ الأهمية يتعلق بمعدل تحويل هذه المشاريع المخطط لها إلى مشاريع قيد الإنشاء الفعلي. فبينما تتصدر مصر من حيث العدد الإجمالي للغرف قيد التطوير، فإن نسبة الغرف التي دخلت بالفعل مرحلة البناء لا تتجاوز 50%، وهو مؤشر يعتبر منخفضًا نسبيًا مقارنة بالمغرب.
وفي هذا السياق، يبرز المغرب كنموذج للكفاءة في تنفيذ المشاريع الفندقية، حيث تجاوزت نسبة الغرف قيد البناء 72% من إجمالي المشاريع المخطط لها. ويُلاحظ أيضًا أن إثيوبيا تتصدر الدول الإفريقية في هذا المؤشر الحيوي، تليها غانا، في حين تسجل دول مثل الرأس الأخضر ونيجيريا وتنزانيا نسبًا متدنية في تحويل الخطط إلى واقع ملموس، مما يعكس وجود فجوة بين الطموحات والمخرجات الفعلية.
وبالنظر إلى الفارق العددي الكبير بين المغرب ومصر في حجم المشاريع الفندقية قيد التطوير، فإن المعطى المتعلق بنسبة الغرف قيد الإنشاء يكشف عن مستوى أعلى من النجاعة في ترجمة الخطط الاستثمارية إلى مشاريع قائمة في المغرب. وهذا يشير إلى جاذبية وفعالية البيئة الاستثمارية في القطاع السياحي المغربي، وقدرته على تسريع وتيرة تنفيذ المشاريع.
ويشهد المغرب في السنوات الأخيرة حراكًا ملحوظًا في مجال الاستثمار السياحي وتطوير البنية التحتية الفندقية، خاصة في أعقاب إطلاق خارطة الطريق الطموحة للسياحة للفترة 2023-2026. تهدف هذه الاستراتيجية إلى استقطاب 17.5 مليون سائح بحلول عام 2026، وتوسيع القدرة الإيوائية الفندقية بأكثر من 100 ألف سرير جديد، بالإضافة إلى خلق 80 ألف فرصة عمل مباشرة. كما تسعى المملكة بنشاط إلى استقطاب علامات فندقية عالمية مرموقة، وهو ما تجلى في تعزيز كبار الفاعلين الدوليين مثل “Accor” و”Radisson…