بالعربي- العمانية
عمّان – يقدم كتاب “القوس والكنانة” للباحث الأردني د.عامر سلمان أبو محارب، قراءة لسرديات عربية قديمة كاشفًا عن حدود المتن النقدي المدروس، ومتخذًا منهجًا يتقاطع مع دراسات سابقة في هذا المجال ويفترق عنها في مجالات أخرى، غايته في ذلك “التأريخ لتلقي الأدب العربي في إطار النقد الحديث، ومراجعة الأصول المعرفية للنظريات التي تقرأ هذه النصوص”.
يتضمن الكتاب الصادر عن دائرة الثقافة في الشارقة (2024)، أربعة فصول، يسبقها فصل تمهيدي يستعرض المرجعيات المعرفية التي استندت إليها أدبيات الدراسة ومقولاتها.
وجاء الفصل الأول في أربعة مباحث، أصّل الأوّل لمفهوم”دراسات نقد النقد”، وانشغل الثاني بمدارس نظريات القراءة وصنوف القراء ومساراتهم في القراءة، وأسّس الثالث لمفهوم النقد الثقافي، في محاولة لتبيان المسار العام لمقارباته وإشكالاته المعرفيّة، وانشغل الرابع بمسألتين؛ تناولت أولاهما السرد العربي القديم؛ مفهومًا وتشكّلاتٍ أجناسية (مقامة، وحكاية… إلخ)، وتتحدث ثانيتهما عن أنماط تلقي السرديات العربيّة القديمة في النقد الأدبي الحديث.
وينشغل الفصل الأول الموسوم بـ “تشكلات نمط التلقي”، بمساءلة مسارات التلقي التي قدمها الباحثون في إطار النقد الثقافي وهم “نَهْبٌ بين تقليدٍ للنموذج الغذامي وما نقله من الغرب، وثورةٍ على هذه المسلّمات التي نقلها”، وقد خُصص هذا الفصل لتلقي السرديّات الحكائية عند عبدالله الغذامي، والمقامات عند علي فرحان، والسرديات السلطانية عند محمد المحفلي.
ويتناول الفصل الثاني الموسوم بـ “إخصاب نمط التلقي”، المقاربات النقدية التي أثْرت النقد الثقافيّ بالانفتاح على الدراسات ما بعد الكولونيالية، وعُنِي هذا الفصل بتلقي السير الشعبيّة عند نادر کاظم و”سرديات الجنون” والسير الشعبية عند ضياء الكعبي.
أما الفصل الثالث الموسوم بـ “انفتاح نمط التلقي”، فقد أبرز مواطن التلاقح المنهجي بين النقد والنقد الأدبي، وانشغل هذا الفصل بتلقي الحكايات العجائبية والمقامات عند يوسف عليمات، والسرد الأخباري عند مصطفى الغرافي، والسرديات الرحلية عند مُعجِب العدواني.
وجاء الفصل الرابع الموسوم بـ “تفاعلات نمط التلقي.. بين تحليل الخطاب والدرس البلاغي” للكشف عن مظاهر التفاعل المنهجي بين النقد الثقافي وتحليل الخطاب والدراسات البلاغية، وقد خُصص هذا الفصل لتلقي “السرد الشطاري” وسرديات العشق عند شرف الدين مجدولين، والوصايا السردية والسرديات الجنسانية عند هيثم سرحان.
وأضاء الكتاب -عبر المقاربات النقدية التي تضمنها- مواطنَ مُعتمة في هذه السرديات، فاختطّ أبو محارب لنفسه سبيلاً غير مطروقة، من خلال الاتكاء على أدوات النقد الثقافي التي اهتدى بها النقاد خلال دراستهم السرديات العربية القديمة، بُغية كشف أسرارها وأنساقها.
يناقش الباحث أبو محارب المقاربات التي قدمها عبد الله الغذامي حول السرديات الحكائية، وعلي فرحان حول المقامات، ومحمد المحفلي حول السرديات السلطانية. ويوضح أن مقاربة الغذامي مثّلت التلقي المعياري حين دشّنت عملية التحول من النقد الأدبي إلى النقد الثقافي، وأن مقاربة علي فرحان مثّلت المتنبي الذي استطاع بكفاءة تطوير مقولات الناقد الأول، وأن نمط التلقّي “أصيب ببعض الخروفات” التي تبنّاها المحفلي حين أكّد أنّ الأنساق الثقافيّة التي تُضمرها النصوص تبدو غير مراوغة في حالاتها جميعًا.
وأكد أبو محارب أن المقاربات التي قدمها نادر كاظم حول السرد في السير الشعبية وضياء الكعبي حول “سرديات المجانين” والسير الشعبية “حاولت إخصاب نمط التلقي من خلال ربط النقد الثقافي بمرجعياته في الدراسات ما بعد الكولونيالية”، وبناءً على ذلك أبرزت مقاربة كاظم “سيمياء الناقد المثقّف”، وكشفت قراءات ضياء الكعبي عن ضرورة العمل على تجنيس “سرديات الجنون” والسير الشعبية، ودَوْرِ ذلك في الكشف عن “التمثيلات المضادة”، التي يؤطرها البطل الشعبي في قوالب ، تعكس أصداء مقولة متداولة في الدراسات ما بعد الكولونيالية هي “الردّ بالسرد”.
وأوضح الباحث أن مقاربات يوسف عليمات حول الحكايات العجائبية والمقامات، ومصطفى الغرافي حول “الأخبار”، ومعجب العدواني حول السرديات الرحليّة، تتأتّى من “محاولتها الانفتاح بنمط التلقي على النقد الأدبي”، وتأسيسًا على ذلك “أعلن عليمات عن إقامة ائتلاف منهجيّ بين النقد الثقافي والنقد الأدبيّ من خلال تأثيث منهجيّة مركّبة، كان النقد الأدبي دائرتها والنقد الثقافي نقطة توسّطها”.
ووفقًا للباحث؛ أقام مصطفى الغرافيّ تحالفًا بين النقد الثقافي ونظرية التلقي، “فقرأ الأنساق التي تتضمنها أخبار ابن قتيبة بوصفها غير معزولة عن سياقاتها المختلفة”، بينما حاول معجِب العُدواني أن يفيد من الانفتاح الذي يميز النقد الثقافي، وذلك بإقامة “وشيجةٍ تربطه بالنظرية التناصيّة، في ظلال مفاهيم التأثر والتأثير”.
وبيّن أبو محارب أن مقاربات هيثم سرحان “أقامت أوَدَها على تفاعل منهجي بين النقد الثقافي ومقولات تحليل الخطاب، استنادًا إلى أنهما يشتركان في مقصدية بحثية تروم الكشف عن مواضع المخاتلة والمكر في الخطاب، في ظلال زئبقيته وتحولاتها الدائبة”.
ورأى أن النقد الثقافي الذي قرأ السرديات العربية القديمة انفتح على المناهج الأخرى، وتفاعل مع الحقول المعرفية المختلفة بصورة لا يحكمها قانون ضابط، إذ لم يكن هذا الانفتاح محكومًا بمقولات نظرية تكشف عن معالمه وتؤطّر حدوده، وأشار إلى مركزية “النموذج الغذامي” في بعض من المقاربات المدروسة.
كتب د.عبد القادر الرباعي في تصديره للكتاب: “إننا أمام حقل من الطروحات المتشابكة التي احتاجت لتتواءم معًا، إلى رؤية كلية نافذة، وطموح ذاتي جامح وغير محدود، وهذا ما كان”، موضحًا أن الباحث “لم يكن يرضى بالسهل من البحث، وإنما تجاوز ذلك إلى الصعب والحفر العميق الذي انساق له بعد عصي”.