بالعربي – مواقع
تلعب أسواق الجملة، كركيزة أساسية في سلسلة التوزيع الغذائي بالمغرب، دورًا حيويًا في تحديد أسعار الخضر والفواكه وضمان استقرارها، غير أن هذه الأسواق تعاني من “اختلالات هيكلية” تُضعف فعاليتها، بدءًا من تعدد الوسطاء الذين يرفعون التكاليف، وصولًا إلى غياب الشفافية والمعلومات الدقيقة حول الأسعار، ما يؤثر سلبًا على المزارعين، خاصة الصغار منهم، ويضر بالقدرة الشرائية للمستهلكين.
وفي هذا السياق، أكد بوعزة الخراطي، رئيس الجامعة المغربية لحقوق المستهلك، أن أسواق الجملة تعاني من مشاكل بنيوية وتنظيمية تحول دون تحقيق أهدافها الأساسية، سواء على المستوى الصحي أو التجاري. وأوضح أن هذه الأسواق يجب أن توفر فضاءً ملائمًا للفلاحين لبيع منتجاتهم مباشرة إلى تجار الجملة، وهو ما يساهم في تقليل عدد الوسطاء، إلا أن الواقع يعكس وضعًا مختلفًا تمامًا.
وأشار الخراطي إلى أن هناك شرطين أساسيين لضمان فعالية هذه الأسواق؛ الأول هو توفير قاعات تبريد وتخزين لحماية المواد الغذائية من التلف، وهو ما لا يتوفر في جميع الأسواق، والثاني هو إخضاع المنتجات للمراقبة الصحية الصارمة، خاصة في ما يتعلق بمستويات المبيدات المستعملة في الإنتاج الفلاحي.
وأبرز الخراطي أن واحدة من أكبر الإشكالات التي تعاني منها أسواق الجملة هي “هيمنة الريع”، حيث يخضع الفلاحون لنظام الوكلاء الذين يحصلون على نسبة من الضرائب المفروضة على المعاملات داخل السوق دون تقديم أي قيمة مضافة حقيقية.
وأوضح أن التاجر يؤدي ضريبة بنسبة 7% على معاملاته، يذهب 2% منها إلى الوكيل الذي يحصل عليها بموجب رخصة، دون أن يكون له أي دور فعلي في عملية البيع والشراء.
وأضاف أن الفلاح المغربي يواجه صعوبة في التحكم في مسار بيع منتوجه، حيث يضطر في كثير من الأحيان إلى بيع محصوله قبل الحصاد بسبب حاجته إلى السيولة، مما يجعله تحت رحمة السماسرة الذين يشترون السلع بأسعار زهيدة ثم يعيدون بيعها عدة مرات قبل أن تصل إلى سوق الجملة، حيث تُفرض عليها ضريبة جديدة بنسبة 7%.
هذه التكاليف المتراكمة تُرفع في نهاية المطاف على المستهلك، ما يؤدي إلى ارتفاع الأسعار في الأسواق.
إلى جانب ذلك، فإن نقل السلع بين المدن يخضع لرسوم إضافية، ما يساهم في تضاعف الأسعار، إذ يضطر التجار إلى تحميل المستهلك هذه التكاليف، مما يزيد من الغلاء ويؤثر على القدرة الشرائية للمواطنين.
وفي ما يتعلق بالإصلاحات المطلوبة، أوضح الخراطي أن الحكومة سمحت للمساحات التجارية الكبرى باقتناء المنتجات مباشرة من الفلاحين أو عبر مجمعات أنشأتها وزارة الفلاحة، وهو ما كان من المفترض أن يقلل دور الوسطاء. غير أن أسعار البيع في هذه المساحات التجارية لا تعكس بالضرورة هذا التغيير، حيث تبقى في بعض الأحيان أعلى مما هو متوفر في الأسواق التقليدية.
وفي ظل التطورات التكنولوجية، دعا الخراطي إلى التفكير في نموذج حديث لأسواق الجملة، مثل “سوق جملة افتراضي”، يخضع لتنظيم دقيق ورسوم واضحة، بعيدًا عن العشوائية التي تميز النظام الحالي.
كما أشار إلى إشكالية توزيع الصلاحيات بين الوزارات، حيث تتولى وزارة الداخلية مسؤولية بناء ومراقبة أسواق الجملة، رغم أن قطاع التجارة من اختصاص وزارة الصناعة والتجارة، ما يخلق تداخلاً في المسؤوليات ويعيق عملية الإصلاح.
وشدد بوعزة الخراطي على ضرورة إصلاح منظومة أسواق الجملة بشكل شامل، من خلال إرساء نظام شفاف يحد من عدد الوسطاء، ويقضي على الامتيازات الريعية، مع توفير البنية التحتية الأساسية لحماية جودة المنتجات وضمان استقرار الأسعار. وأكد أن التدخل العاجل للجهات المعنية أصبح ضرورة لضمان عدالة توزيع الأرباح بين المنتجين والتجار، وتحقيق التوازن في سوق المواد الغذائية بما يخدم الفلاح والمستهلك على حد سواء.